ما حدا أحسن من حدا

منقول...
في دمشق، وفي احدى الشوارع التي يكثر فيها المقاهي، يشدك مشهد تجلس لتحلل فصوله:
هي فتاة ترتدي لباسا على الموضة، جزء منه جينز ممزق من الموضة الحديثة الدارجة حاليا، تسير بصحبة صديقاتها، وترتدي نظارة شمسية، لا تخفي الجرأة التي تبدو في شخصيتها، والقوة التي تتأطر في ملامحها، تختار طاولة وكرسيا ثم تجلس، ترفع النظارة، تمد يدها لحقيبتها، وتسحب بأناملها علبة سجائر سينيه من نوع إلغانس رفيع تناسب أنوثتها، وبلطف أيضا تسحب من العلبة سيجارة، تشعلها باليد الأخرى، تزيد من اشتعالها بشفاهها المطبقة على فلترها، وتنفخ دخانها في الهواء، مطلقة العنان لتمردها على المجتمع وأعرافه.
مع انتشار المشهد على نحو متكرر في الأماكن العامة فتيات أو سيدات مدخنات لسجائر أو نراجيل، يبدو للصورة من يقبلها، أو يرفضها، أو يقف موقف الحياد منها.
تقول فتاة: أدخن فقط، أنا حرة، طعم السيجارة ومنظرها يعجبني، ولا أنتظر في المقابل أن أعجب هذا أو يرفضني ذاك على أساس كوني مدخنة، وليفسر المتقبلون والرافضون الأمر على هواهم، وكيفما أرادوا وأحبوا تفسيره.
التدخين عندي مجرد عادة — أعرف أنها سيئة — لكن مثلي مثل الكثيرين من الشباب والفتيات ارتضيتها لنفسي، وربما لن أتركها أو أقلع عنها قبل سنوات، هذا إن فكرت أصلا في ترك التدخين، وبالنسبة لأهلي بالتأكيد لا أدخن أمامهم، ولكنني متأكدة أن أمي شعرت بابنتها، ولم تظهر معارضة تذكر، أما والدي في المقابل، فالله أعلم. والله يستر، لا أتذكر المرة الأولى التي بدأت فيها، ولكنني أستطيع القول: إن جو الامتحانات المتوتر كان يدفعني كل عام لرفع معدل السيجارات التي أدخنها حتى تجاوزت الباكيت في اليوم.

سيدة أخرى، كانت بصحبة جمع من النساء اخترن طاولة في مقهى وبجانب كل منهن نرجيلة، اختلف مذاقها حسب المعسل المحشو في رأسها والتي اختارته كل واحدة منهن حسب ما اعتادت، قالت: آتي لهذا المكان مرتين في الأسبوع مع صديقاتي نطلب القهوة أو العصير مع نفس أرجلة وندخن، وأنا شخصيا تشدني رائحة النرجيلة ومذاقها، وأعتقد أنه مهما قيل وضخم في ضررها، فمرة أو مرتين في الأسبوع لن تجلب لنا الأذى.
أخرج مع صديقاتي بعلم زوجي مع عدم ترحيبه المطلق بالأمر، ولكنه في المقابل يخرج للمقاهي مع أصدقائه وما حدا أحسن من حدا، نحن أسوة بالرجال نرى في عادتنا هذه إلى جانب كونها تسلية وترفيها، فهي مساواة لنا بالرجال.

شاب يقول: إنه منظر مثير للشفقة، وأكثر من ذلك.. للاشمئزاز، الفتاة المدخنة في نظري إنسانة ضعيفة، تحاول القيام بما يلفت النظر وتنجح.. ولكن في الاتجاه الخاطئ، ربما ونظرا لتكرار الصورة اليومية للفتاة المدخنة لم أعد استثار غضبا عندما أراها، ولكنني نهيا وقطعا أرفض الزواج منها.

وغيره يرى أنها مثيرة، وجذابة، أرى في السيجارة التي تحملها تمردا على الواقع، وجرأة في الشخصية، تلك هي الفتاة.
نحن اليوم في مجتمع بدأ يخرج عن عادته القديمة، في اللباس، في الطعام، في كل شيء، فلم لا نقبل بالفتاة المدخنة المتمردة على العادات والتقاليد، ونرتضيها كزوجة، أنا إن أعجبتني جوانب شخصيتها الأخرى أقبل ودون تحفظ!

الدكتور المدرس في كلية التربية بجامعة دمشق قسم علم النفس، معمر الهوارنة، يقول بداية: تدخين الإناث في مجتمعنا مع تعدد صوره لا يرقى لنتحدث عنه كظاهرة سائدة في المجتمع السوري، فالظاهرة بتعريف علمي بحاجة إلى أن تشمل وتمثّل ما نسبته 80 بالمئة من المجتمع الإناث في هذه الحالة، ويمكن القول إن ما نراه لا يتعدى كونه عادة انتشرت في أوساط عدد كبير من الإناث!
وأشار الهوارنة إلى أن التدخين عند الأنثى تعود أسبابه لعوامل كثيرة ترتبط بالأسرة، والأصدقاء، وبحمى انتشار الفضائيات، كما أن لها صلة بالحالة الاجتماعية، والفهم الخاطئ، والرغبة في التقليد، وغير ذلك.

وأضاف الهوارنة: لم يعد خافيا على أحد الدور الكبير الذي تؤديه الفضائيات بغرسها للقيم والمفاهيم في ذهن المشاهد، فتكرار صورة البطلة المدخنة في الأفلام العربية والأجنبية على السواء عزز الصورة، ودفع بإناث مجتمعنا المحلي إلى التقليد الأعمى لأبطالهن وبطلاتهن، بكل ما تقدمه صورهم من قوة وسيطرة، وكل ما تمنحه السيجارة في يدهم من هدوء للأعصاب، وتعديل للمزاج، وإزالة للهم والغم، وهذا أيضا مؤشر للفهم الخاطئ لمن انتشرت عندهم هذه العادة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحداث حماة عام 1964

صرفت الى رب الانام مطالبي ...

أنا من أريحا عروس الشمال