أنا من أريحا عروس الشمال

أريحا ...
تقع مدينتي أريحا في الجمهورية العربية السورية.
دعونا نتعرف على هذه المدينة الجميلة ذات الهواء العليل والشعب الطيب.
تقع مدينة أريحا جنوب مركز المحافظة (محافظة إدلب) وهي مركز لمنطقة أريحا وهي تحتل موقع هام فهي ملتقى الطرق بينها وبين (اللاذقية ـ جسر الشغور ـ حلب) و (حماه ـ معرة النعمان ـ إدلب).
هذا الموقع الممتاز وما تتمتع به من مناظر خلابة وأشجار مزهرة ووقوعها بين أحضان جبل الأربعين المطل عليها بينابيعه التي ترويها كل ذلك جعلها محطة للمسافرين منذ القدم وحتى وقتنا الحالي.
عرفها ياقوت الحموي المتوفى عام 626 هـ حين قال:
" وأما أريحا بغير ألف فهي بلدة من نواحي حلب أنزه بلاد الله وأطيبها ذات بساتين وأشجار وأنهار وليس في نواحي حلب أنزه منها "
وهناك من كتبها بألف وكذلك أريحاء والأصح والأفضل بدون ألف تميزاً لها عن أريحا / فلسطين / كما ذكر ياقوت الحموي أيضاً
ـ وهي بلدة موغلة في القدم، إذ ذكر الغزي أنها كلدانية أي تعود للألف الأولى قبل الميلاد.
ولكن من المرجح أنها أقدم من ذلك كما يرى بعض الباحثين إذ جرت في أراضيها وإلى الغرب منها عدة معارك حاسمة مع جيوش الملك الفرعوني المصري تحتد الثالث (1490 – 1436 ق.م) عندما غزا سورية عام 1460 ق.م وما تل ريحا الواقع إلى الغرب منها إلا أحد التلال الأثرية التي تعود إلى ذاك العهد حيث وجدت فيه بعض الفخاريات القديمة.
ويروى أنه لما تم هدم الساحة أمام خان البازار عثر على مفر يستمر من عند الجامع الكبير، إلى التل وسرداب هذا المغر نحتت فيه متعرجات ومحلات تجارية وعثر عام 1983 على جرة فخارية في البلدة فيها نقود: بيزنطة ـ بندقيةـ عربية.
كما وجدا سمها في نص كتابي على مدفن كونكورديا في شمال إيطاليا باللغة اليونانية باسم مغارة ريحون وهو الاسم الكامل لقرية المغارة الأثرية الحالية الواقعة في جنوبها وكانت تدعى في ذلك الوقت (مغارة ريحون) لشيوع اسم ريحا في المنطقة وطالما أن هذه القرية القديمة الأثرية تعود إلى العهد السلوقي /312 – 65 ق.م / واسمها مرتبط باسم ريحا. هذا يؤكد بدلالة قاطعة على قدمها وأهميتها الاقتصادية والإدارية.
إضافة إلى دورها الهام في العهد الروماني / 64 ق.م ـ 329 م / ثم في العهد البيزنطي لوقوعها بين عاصمتين هامتين:
انطاكية ـ عاصمة سورية الأولى
أفاميا ـ عاصمة سورية الثانية
أما تسميتها:
جاءت من لفظة كنعانية / ريحو / وتعني الأريج أو الرائحة الطيبة وبعد التصحيف وإطلاقها بالآرامية أصبحت ريحا.
2ـ أهم المعالم الأثرية العائدة لكل عهد:
أـ العهد الروماني / 64 ق.م ـ 329 م /
أهم النصب الأثرية القديمة التي ظلت موجودة في المدينة والتي تعود إلى تلك المرحلة القبة الرومانية الكبيرة القائمة فوق نبع الماء في جنوبها وتسمى / العين / وهي عبارة عن بناء حجري مقوس وقد كانت هذه العين تغزي المنازل السكنية والقساطل المائية أحياناً.
ب ـ العهد البيزنطي / 330 – 637 م /:
تركز الدور الحضاري على الجوانب الدينية والاجتماعية حيث نشطت الحياة الدينية على يد الرهبان الذين أقاموا صوامعهم ومناسكهم في جبل الأربعين ونظراً لوقوع بلدة ريحا في سفحه فقد كانت أحد المراكز الدينية الهامة لهم، لذا فإن هذه الفترة تعتبر فترة ازدهار حقيقي للبلدة وذلك في النصف الثاني من القرن الثالث والنصف الأول من القرن الرابع الميلادي.
ومما يؤكد ذلك وجود / مدافن معز رمضان / الواقعة شرق أريحا بـ 3 كم حيث أن وجود أحد المقالع الحجرية قبل القبور وعدم وجود أبنية قديمة أو حديثة بقربهم دليل على أن هذا الموقع يخص ريحا القديمة والدليل على أن هذه القبور تعود للعهد المسيحي هو وجود الصليب ورسوم صلبان وتشير الكتابات على المدافن الثلاثة أنها تعود إلى القرن الرابع الميلادي وفي المدفن الثالث عثر على كأس وصينية متميزة مصنعة من الفضة الخالصة ويظهر على الصينية نقش نافر يصوّر مشهد العشاء الأخير للسيد المسيح مع الحواريين. لكنه للأسف قد سرقت وبيعت إلى تجار أوربيون فإحدى القطع معروضة في أحد متاحف الولايات المتحدة والثانية يقال إنها في متحف اللوفر
ـ كهف الأربعين: يعود إلى القرن الرابع الميلادي وهو عبارة عن منارة لجأ إليها النصارى المطاردين من السلطات وذلك في عهد الإمبراطورية يوليانس حيث كانوا يتعبدون فيها وتحولت المنارة في يومنا هذا إلى مسجد بمئذنة صغيرة دعي / مسجد الأربعين / تخليداً لذكرى القديسين الأربعين الذين لجأوا إليه.
ـ مدافن القنيطرة: إلى يمين الطريق المؤدي إلى الجبل وتضم قبور للعديد من الشخصيات البيزنطية.
ـ حي الشيخ دويك: يعتقد أنه بيزنطي ومنذ نشأته سكنته العديد من الأسر المسيحية وهذا ما تؤكده النقوش الحجرية الباقية إلى الآن على بعض الجدران في البيوت القديمة الموجودة في الحي.
كما نرى كنيسة دويك والتي لم يبق منها سوى الواجهة الخارجية المتجهة نحو الغرب ودويك اسم يعود لباني الكنيسة أو المشرف على بناءها ومن اسمه جاءت تسمية الحي فيما بعد.
الفتح الإسلامي / 637 م/
1ـ العهد الأيوبي: / 569 – 635 هـ /
أي القرن الخامس الهجري. اهتم الملك غازي ابن صلاح الدين وزوجته بأريحا كثيراً أهم المعالم:
الحمام الوسطاني ـ موقع جب القاضي وهو من السقايات العامة
2ـ العهد المملوكي:
خلّد المماليك في أريحا عدد كبير من الشواهد أهمها الجامع الكبير في القرن السادس الهجري، توسيع الجامع سنة 694 – 969 هـ في عصر زين الدين كتبغا.
ـ جامع البيانية: وكان جامع صغير ثم عمل العثمانيون على جعله مسجد جامع تقام به الصلوات وصلاة الجمعة
ـ تجديد القسطل الفوقاني: كما وردفي الوثائق الشرعية لأريحا
3ـ العهد العثماني / 922 – 1516 هـ /
تشير الوثائق العثمانية إلى أن السلطان كان يهتم بها كثيراً ويرسل الأمر السلطاني تلو الآخر للاهتمام بأهاليها ومراعاة طلباتهم وعدم إرهاقهم بالضرائب لما لهم من مكانة خاصة لدى الدولة العثمانية.
والسبب: وجود أصحاب النسب الشريف وكثرتهم فيها والسادات الكرام ويجب احترامهم بموجب اللوائح والقوانين الموضوعة لذلك.
وهكذا نلاحظ أن المدينة شهدت اهتمام عثماني بارز وأهم المعالم العثمانية
ـ مسجد قره محمد: الذي يعود إلى 1222 هـ، بناء زاوية الكيالي 1241 هـ
ـ إعادة بناء زاوية التكية وجعلها مسجد جامع ومدرسة شرعية للتعليم الشرعي. فقد كانت تعرف أريحا قديما باسم الأزهر الصغير وذلك لكثرة علماء الدين والطلاب الذين يدرسون فيها
والجدير بالذكر أنه خلال العهدين المملوكي والعثماني برز فيها علماء كثيرون وسعى إليها كبار القضاة كما تذكر بعض الوثائق.
وإن وجود قاض في بلدة حينذاك أمر له شأنه إذ لا يوجد قاض في بلدة إلا إذا كانت عامرة وسكانها كثيرون ولها مكانتها الإدارية الجيدة.
ـ كما تم بناء عدد من الخانات والتي لم يبق منها سوى خان المنزل شرق الجامع الكبير، بناء الحمامات ولم يبق منها حمام الصغير (الجمعة).
ـ أهتم العثمانيون بالأحياء الشعبية وهي تشمل العديد من الأزقة النافذة وغير النافذة.
ومما تميزت به أزقة أريحا هو كثرة التعرجات والالتواءات ولم توجد هكذا عبثاً وإنما كان لها وظيفة اجتماعية ودينية وحتى عسكرية ولا نخفي جمالية طرق أريحا المبلطة بالأحجار ويتوسطها مجرى ماء لاحتواء مياه الأمطار في الشتاء من السيلان ونلحظ في بيوت أريحا أنها متلاصقة الجدران فيما بينها وكأن كل جار يحمي خاصرة جاره في أخوة ومودة.
حتى أن الرحالة الفرنسي يوليان شبه بلدة أريحا بقرى فرنسا نظراً لما تمتعت به من شهرة كمنتزه جميل وللتشابه بينهما بالعمران المتقدم والأزقة المبلطة المرصوفة بالأحجار بقوله:
" تبدو ريحا في سفح الجبل بأزقتها المبلطة بالأحجار وبيوتها ذات البناء الجيد، وفي ساحتها الصغيرة نبع عين صافية وغزيرة كل هذا يدفع المرء للتفكير بالقرى الكبيرة في جبال فرنسا ".
السيباط: أهم ما يميز أزقة أريحا هو السيباط.
أـ تعريفه:
يمكن أن نعرف السيباط بأنه تسقيف جزء من زقاق أو شارع بكتلة معمارية (غرفة ـ قاعة) لمبنى في مستوى الطابق الأول، حيث يرتكز على عقود حجرية أو أقبية مقنطرة في مستوى الطابق الأرضي وهذا الأسلوب شائع جداً في تخطيط المدن العربية الإسلامية القديمة (حلب ـ دمشق ـ حماه ـ حمص) .
ب ـ طريقة بناء السيباط:
يمكن أن يقسم من حيث الشكل إلى نوعان:
(السيباط المصلّب ـ السيباط الغمس) وكلا الشكلين لا يمكن بناؤهما إلا على الطبقة الصخرية من الأرض. إذ لا يمكن بناء السيباط على كتل ترابية أو أكمة من التراب بل لابد من الوصول في أساسه إلى الطبقة الصخرية من الأرض.
ـ السيباط المصلّب: يعتمد في أساسه على ركائز حجرية ضخمة موزعة في زواياه الأربعة ثم يوصل بينها بجدار حجري سميك يكون على طبقتين من الحجارة
ـ السيباط الغمس: يعتمد في أساسه على بناء جدار من طبقتين من الحجارة الضخمة ولا وجود للركائز في أساسه حتى يصل إلى سطح الأرض حتى يكون ارتفاع الجدار عن سطح الأرض بحدود نصف المسافة العامة المرادة من قبل البنّاء في ارتفاع سقف السيباط.
ثم يضع البنّاء القالب الخشبي بشكل مقوس بعدها يقوم بتسوية سطح السيباط من خلال رصفه بالأعلى بأحجار صغيرة ممزوجة بمادة الطين لتكون أشد متانة وصلابة ومدة بقاء القالب الخشبي يحددها البنّاء حسب خبرته ويعتبر بناء السيباط بأريحا من الأشياء المميزة في عمارتها المدنية لذلك اختص بها البنّاء الماهر وليس كل بنّاء لديه المقدرة على بناء السيباط، ويوجد في أريحا عدد محدود كانوا يختصون في بناء السيباطات وتعقيداتها..
ونلاحظ أن مدينة أريحا اعتمدت عليه بشكل رئيسي في الأزقة والأسواق ويذكر أنه كان في المدينة مئة سيباط ولكن الموجودة حالياً هي سبعة سيباطات موزعة ضمن زقاقين / حي عبد الكريم ـ حي الغادري / بالإضافة إلى وجود سيباط بالقرب من سوق الحدادين في الحي الشرقي من المدينة القديمة.
الغاية من تشيد السيباط:
1ـ أن بناءه كان نوع من الفلسفة الاجتماعية: إذ أنه لكل حارة زعيم الذي يقوم ببناء السيباط بالقرب من منزله وكل شخص يمر من تحت السيباط يصبح تحت راتيه وحمايته وكان يرفع على السيباط علم / بيرق / وأحياناً هذا الزعيم كان يتولى حماية بعض العائلات القريبة من سكنه.
2ـ كما أنه استخدم لمراقبة الحارة حيث أن كل شخص يريد الدخول أو الخروج سيمر من هذا الزقاق ويمكن للزعيم أن يراه من خلال نوافذ الغرفة العلوية
3ـ في الحقيقة هو تفسير مختلف تماماً عن تلك الأسباب الاجتماعية يذهب هذا التفسير إلى أن مالك الدار المجاورة للسيباط كان لديه سند تمليك بهذه المنطقة وقد منح الناس حق المرور مقابل الاستفادة من هذه المساحة ببناء السيباط والغرفة العلوية.
4ـ ضيق المكان والأمان: إن الأوضاع الاقتصادية السيئة، تزايد عدد السكان، قلة الأمان نتيجة عمليات النهب التي قام بها الأعراب خلال تلك الفترة دفعت السكان إلى الاستفادة من أي مساحة متاحة والابتعاد عن التوسع العمراني بعيداً عن التجمع السكاني.
هذا هو كل ما أعرفه عن مدينتي ومسقط راسي أريحا.
منقول ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحداث حماة عام 1964

صرفت الى رب الانام مطالبي ...