اقليم كرد ستان العراق ... دولة

نتائج الاستفتاء مَحسومة منذ أشهر، والمُصوّتون بـ نعم سيكونون الأغلبيّة العُظمى، مِثلما تُؤكّد مُعظم استطلاعات الرأي، ولكن ما يتّسم بالغُموض هو اليوم التّالي، أي مرحلة ما بعد الاستفتاء، وهُناك مُؤشّرات عديدة تُؤكّد أنها ستكون مرحلةً صعبةً عُنوانها عَدم الاستقرار، وربّما إشعال فَتيل حَرب قد يكون الأكراد أبرز وقودها، بالنّظر إلى ردود فعل دول الجوار التي اعتبر بَعضها الاستفتاء بمَثابة إعلان حرب.

الأكراد شاركوا بحماس غير مسبوق في الحَرب ضد الدولة الإسلاميّة أو داعش، وقدّموا المِئات من القَتلى في حرب تحرير الموصل، ولكنّهم فَعلوا ذلك بطلبٍ أمريكي، مُقابل وعود بالاستقلال كثمن، ولكن دون الاتفاق على موعد إعلانه.

الحَرب على الدولة الإسلاميّة التي وحّدت الأضداد، الكرد والعرب، والأتراك والإيرانيين، والأمريكان والروس، المُسلمين والمسيحيين، السنة والشيعة، هذه الحَرب التي كانت الإسمنت، أو الغراء القوي الذي يَصلب تحالف الجميع، ويُبقي على تماسكهم لحوالي أربعة أعوام، هذه الحرب بدأت تقترب من نهايتها، وتفكّك هذا التحالف بشكلٍ مُتسارعٍ، ربّما لتبدأ حرب إقليميّة أكثر شراسة، فالحُروب تتوالد وتتناسخ في مَنطقتنا الشرق أوسطيّة التي ممنوع عليها الاستقرار.

السيد البارزاني اختار مَوعد هذا الاستفتاء في التوقيت الخطأ، ووحّد جيرانه العرب والإيرانيين والأتراك ضدّه وشعبه، مُضافًا إلى ذلك أن كردستان لا تَملك مقوّمات الدولة، وحدودها غير محدّدة، والديون عليها تتفاقم، وخزينتها شِبه خاوية، ورواتب مُوظّفيها لم تدفع منذ اشهر، وديمقراطيتها غير مكتملة، بل غير موجودة، فالرئيس انتهت صلاحيّة حُكمه منذ عامين، وهناك شكوك بانعقاد الانتخابات الرئاسيّة المُقرّرة في تشرين ثاني (نوفمبر) المُقبل، والرئيس البارزاني أقدم على تجميد البرلمان وجَلساته فَور سُؤاله عن مَصير العوائد النفطيّة، ومُطالبة بعض النواب بتحديد صلاحياته المُطلقة، مُضافًا إلى ذلك استفحال الفساد، ووجود انقسامات حادّة بين السليمانيّة، التي يُسيطر عليها حزب الاتحاد الطالباني، وأربيل مركز حكم آل البارزاني.

إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تدعم هذا الاستفتاء عَلنًا، كما دعمت الاستفتاء والاستقلال جنوب السودان، وتُحرّض البارزاني على إعلان الاستقلال، وربّما تكون هي الوحيدة التي ستَعترف بدولة كردستان، التي لا نَستبعد أن يكون حالها حال دولة رؤوف دنكطاش القبرصيّة التركيّة، التي جَرى إعلانها قبل أكثر من أربعين عامًا، مع فارق أساسي، وهو أن الخَصم القُبرصي اليوناني ضعيفٌ ومُسالم، واليونان دولة زميلة لتركيا في حلف الناتو، بينما الدولة الكرديّة الجديدة سَتكون مُحاصرة بأربعة قوى إقليميّة، هي إيران وتركيا وسورية والعراق، وتَعتبرها خط أحمر ومُقدّمة لتقسيمها وتفتيتها لوجود أقليات كرديّة فيها تتطلّع للاستقلال نفسه.

حق تقرير المَصير أمر مَشروع لكل الشّعوب، لكن شريطة تَوفّر الإمكانات والضّمانات المَطلوبة والتوقيت المُلائم، ولا نَعتقد أن السيد البارزاني أجرى حساباته بشكلٍ دقيقٍ قبل الإقدام على هذه الخُطوة المَفصليّة في تاريخ أمّته الكُرديّة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحداث حماة عام 1964

صرفت الى رب الانام مطالبي ...

أنا من أريحا عروس الشمال