المُفرقة الغير عربية

 أقدمت السلطات في المملكة العربية السعودية على استدعاء رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الدين رفيق الحريري (وهو صديق وابن صديق لها ويحمل جنسيتها إضافة إلى جنسيته اللبنانية..) واحتجازه في إقامة جبرية فيها لحوالي الأسبوعين.
ولم تكتفي بذلك بل ودعت عصابات الدول العربية، الى اجتماع طارىء بدعوى التدخل السافر لإيران وحزب الله في الشؤون العربية، والأمن القومي للعرب.
وحدث هذا الاجتماع في 19/11/ 2017 غير أنه لم يتعرض هذا الاجتماع الطارئ والصاخب لسابقة خطيرة مثل احتجاز رئيس حكومة لبلد عربي في بلد آخر، بأوامر ملكية (غير معلنة)، ولعل المجتمعين قد افترضوا الاحتجاز أمراً عارضاً.. 
ولم ينتبه الأمين العام للجامعة المعطلة عن الاجتماع كما عن الفعل، إلى هذه الواقعة، بل انه قدم مطالعة بليغة حول الخطر الإيراني على الأمن القومي العربي، ثم تبارى وزراء خارجية السعودية والإمارات والبحرين وجزر القمر و حتى جيبوتي في الهجوم على إيران - انا هنا لا أتحدث عن افعال ايران في المنطقة - من غير أن يوفروا لبنان، بشخص حزب الله الذي نال نصيبه من الحملة… من دون اعتبار لكونه ممثلاً في الحكومة اللبنانية (التي يرأسها الحريري) بوزيرين.
كان الاجتماع يشابه ـ أقله في الشكل ـ ذلك الاجتماع التاريخي لجامعة الدول العربية التي تمكنت فيه قطر أن تطرد سوريا فتخرج مندوبها المعتمد فيها لتحل محله من يمثل بعض المعارضات السورية.. 
لكن الأمين العام آنذاك، وبعض العقلاء بعنوان الجزائر رفضوا تلك المهزلة.. وانتهى الأمر بأن سُمح لممثل تلك المعارضة بأن يُلقي خطاباً ضد بلاده.. وينصرف!
كذلك فان هذه الجامعة لم تأخذ علماً بالاحتلال الاميركي للعراق، ولم يصدر عنها أي موقف بذلك الاجتياح العسكري لواحدة من اهم الدول العربية وأخطرها موقعاً وأعرقها نضالاً ضد الاستعمار البريطاني والعرش الهاشمي الذي فرضه على بغداد، مع نهاية الحرب العالمية الأولى..
ثم أن هذه الجامعة التي فقدت دورها ووظيفتها منذ زمن بعيد، لم تعقد ولو اجتماعاً واحداً في محاولة جمع الشمل العربي لمواجهة داعش عندما اجتاحت جحافله الموصل، ثم تمددت في مختلف أنحاء ارض الرافدين في صيف العام 2012، ووصوله إلى سوريا وسيطرته على 60% منها، وتطلب طردها خمس سنوات ونيف من الخراب والضحايا وتشويه تاريخ الأمة ودينها الحنيف.
لا بد في السياق من التذكير بأن هذه الجامعة لم تأخذ علماً بعد، في ما يبدو، بسقوط معمر القذافي وسيادة الفوضى المسلحة في ليبيا التي استدعت محاولات عديدة من التدخل العسكري، لحصر النار في بلاد عمر المختار، ومنع امتدادها إلى جوارها، قبل أن يُترك لعناية الأمم المتحدة وموظفيها والحكومات التي أقيمت ثم انهارت في كل من طرابلس وبنغازي تدبر أمرها..
كذلك فان الحرب الاهلية في السودان التي أدت إلى انشطاره بين الشمال العربي و الجنوب الأفريقي، لم تحرك هذه الجامعة العريقة التي اكتفت بدور المراقب.
ونصل إلى الكارثة القومية التي يشهدها اليمن التي تشن عليه السعودية (ومعها دولة الإمارات) ما يشبه حرب إبادة، ومن لم تقتله صواريخ الطائرات الحربية ولا قذائف المدفعية التي هدمت مدنا عريقة بالجامعات والمستشفيات والبيوت بالفن المعماري العريق فيها، وتسلقها قمم الجبال والهضاب، قتلته الكوليرا التي التهمت أطفال اليمن وهددت جيلاً بكامله بالإبادة.
ولقد ارتفعت أصوات المنظمات الدولية تطالب بفك الحصار لعلاج المرضى.. لكن الحصار استمر والغارات اشتدت مع تهديد علني بتدمير صنعاء وتعز وعدن وسائر المدن التي تعاظم فيها الخراب..
كل هذا والحكومة اليمنية المطرودة من اليمن، والتي تتخذ من الرياض عاصمة بديلة تطالب، يومياً، بتشديد الحصار حتى القضاء على الحوثيين (أي تنظيم أنصار الله) بذريعة أنهم يتلقون السلاح والتدريب والمال من إيران (وكذلك من حزب الله في لبنان).. ومعهم الحزب الذي أنشأه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، قبل خلعه، وطبعاً الجامعة في ثبات عميق ...
والأخطر: محاولة تصوير ما يجري لليمن وفيها على انه صراع بين الزيديين والشوافع، ونفي أي طابع سياسي عنه، والادعاء ضمناً بأن السعودية (ومعها الإمارات) قد تدخلت جواً وبحراً وبراً لمواجهة الإيرانيين.. بدماء اليمنيين وعمران اليمن!
ثم نقول انها جامعة عربية، لم اعرف عندما تم إنشاء هذا الشيء، هل كان هناك أمل ولو بسيط لجمع هذه الأمم العربية تحت سقف واحد؟
 أم أنه نوع من الترف في تلك الفترة، أو أن هؤلاء الرجال في تلك الحقبة كانوا أكثر منا أمل بمثل هذه الأمة، التي تكرس كل يوم الجهل، والانحطاط، والذل، والكراهية. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحداث حماة عام 1964

صرفت الى رب الانام مطالبي ...

أنا من أريحا عروس الشمال