(12) وشهد شاهد ... حتى لا تعتب علينا سوريا



الجزء 12 من شهادة الدكتور حذيفة عبد الله عزام

الحمد لله الذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى والصلاة والسلام على معلم الناس الهدى إمام التضحية والفدا وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وبسنته اهتدى وبعد:

بقي مسألة واحدة تصلح أن تكون قفلة للحلقة الماضية من الشهادة ومقدمة للجزء اﻷخير منها فقد أشرت إلى ما قام به أبو هاجر الحمصي من اﻹفراج عن قتلة الشيخ مازن قسوم - رحمه الله -  رغم أن جند اﻷقصى يوم قرروا الانشقاق عن جبهة النصرة ووضعوا مطالبهم العشرة كان من بين تلك المطالب عزل (أبي هاجر الحمصي) ولم تلب مطالبهم وانشقوا وشكلوا فصيل جند اﻷقصى فسبحان مغير اﻷحوال ومجمع أهل الغلو من شتى المنابت واﻷشتال ومقرب الغلاة من مختلف اﻷصناف واﻷشكال!!
 وأبو هاجر الحمصي اسم يستحق الوقوف عنده طويلا ولئلا تثور الثوائر وتدار – بالباطل - علي الدوائر فإنني سأتجنب ذكر اﻷسماء - مع معرفتي إياها - رغم أن من ذكرتهم في الحلقات الماضية قُتل معظمهم - رحمهم الله - وأما اﻷحياء فمن ذكرت اسمه فمعروف مشتهر باسمه الصريح وأما من ذكرت كناهم من اﻷحياء فعوام الناس يعرفونهم وأصحاب البقاﻻت والمحال التجارية والصرافين يعرفونهم ولكن القوم وجدوها فرصة ذهبية لحرف الشهادة عن مقصودها ولصرف أنظار أتباعهم ومؤيديهم عن محتواها بالتهجم على شخصي وإسقاطي، وبإسقاطي يسقط كل ما صدر عني - وﻻ ضير - رغم أن القوم يعلمون في قرارة أنفسهم أنني لم أهتك سِترا أو أكشف سرا فيما ذكرت والسر الوحيد يكمن في كشف كبائر أقدموا عليها وصوروها ﻷتباعهم وزينوها ﻷنصارهم - عبر إعلامهم - وسوقوها على أنها مناقب ومفاخر وانتصارات للدين واﻷمة!

ويكفي أن أُذكّر من انطلى عليه كلامهم بالخطوط الساخنة المفتوحة 24 ساعة بينهم وبين المنظرين في لندن وكندا وعمان فهل يا ترى يتواصلون مع المشيخة عبر (القاعدة (Sat أو عبر (النصرة نت)؟!!  أترك لكم الجواب.

أعود ﻷبي هاجر الحمصي الذي ترقى سريعا في المناصب حتى استلم إمارة إدلب وقد استلمها على حقبتين أولها ما قبل أحداث الدولة ودخول البغدادي والثانية بعد حوادث اقتتال الفصائل وداعش وهذا الرجل مسؤول مسؤولية مباشرة عن تصفية فصائل الجيش الحر في إدلب وأريافها وصوﻻ إلى سهل الغاب وهو المسؤول عن اعتقال أبي عبدالله الحمصي (الخولي) ومسؤول عن تأخير اﻹفراج عنه، فبعد أن حاول اﻷمنيون إلصاق تهمة قتل الشيخ يعقوب العمر بالخولي والضجة التي أعقبت هذا (اﻹفك) أراد الفاتح الجوﻻني اﻹفراج عن أبي عبدالله الخولي فقال له أبو هاجر الحمصي: "إما هو أو أنا" فأحجم الفاتح الجوﻻني عما كان قد أزمع عليه ولقد ذكر أبو محمد الجوﻻني مراراً أمام شهود كثر أن اعترافات الخولي انتزعت تحت التعذيب ومع ذلك لم يملك الفاتح الجوﻻني أمر اﻹفراج عنه بسبب معارضة أبي هاجر الحمصي.

وحين نظف أبو هاجر الحمصي إدلب من معظم فصائل الجيش الحر وسلمها خالصة لجبهة النصرة على طبق من ذهب نقله الفاتح الجوﻻني إلى حلب لتكرار ما فعله في إدلب ولكن النظام وحلفاءه كانوا أسرع إليها ولم تمهل اﻷحداث أبا هاجر لتكرار واستنساخ تجربة إدلب في حلب.

وأبو هاجر الحمصي مسؤول مسؤولية مباشرة عما جرى (ﻷبي حسين رحال) فكل الناس سمعوا رواية غلاة النصرة حول اعتقال الرجل ومفاد الرواية أن الرجل كان فاسدا ظالما وأن المظالم المسجلة عليه أكثر من أن تحصى وخرجت الرواية لصالح جبهة النصرة فهي تحاسب المفسدين ولو كانوا أمراء فيها! وهكذا خرجت الرواية وهكذا سوقت ولست هنا بصدد الدفاع عن الرجل أو نفي أو إثبات ما نسبوه إليه ولكنني بصدد سرد حقيقة ما جرى.

تبتدئ الحكاية من أحداث معارك خان طومان إبان الحقبة اﻷولى من تولي أبي هاجر الحمصي مقاليد اﻷمور في إدلب حيث كان أبو حسين رحال من المشاركين في معارك خان طومان وفتح الله على المجاهدين بغنائم كثيرة وخيرات وفيرة وانتظر المشاركون - ومنهم أبو حسين رحال - توزيع مغانم خان طومان وخيراتها وتأخر توزيع الغنائم وبدأ أبو حسين رحال يراجع أبا هاجر الحمصي ويطالبه بنصيبه من الغنائم وأبو هاجر يعِد ويؤجل ويؤخر ويماطل وطال أمد الانتظار فما كان من أبي حسين رحال إﻻ أن ذهب ﻷبي هاجر مُغضبا وشدد عليه في المسألة واحتد النقاش بينهما واستعصى أبو هاجر فقال له أبو حسين رحال بلهجته السورية: "إذا ما بتعطيني نصيبي من الغنائم بشولك " أي سآخذ نصيبي ولو أدى اﻷمر إلى سرقته منك ولم ينسها له أبو هاجر فبدأ يحفر للرجل ويكيد له وانتظر أبو هاجر حتى عاد أميرا ﻹدلب في الحقبة الثانية وتمكن، وبدأ يوغر صدر الجوﻻني عليه ويحدثه عن فساد أبي حسين رحال وعن مظالمه وعن قضايا مرفوعة ضده في دار القضاء حتى اقتنع الجوﻻني باعتقال الرجل.

وبقيت مسألة واحدة وهي أن الرجل ذو شأن في قومه وذو منزلة في بلدته (معردبسة) وصاحب قوة في جبهة النصرة وﻻ يمكن اعتقاله بالطرق الاعتيادية، فكاد له القوم وغدروا به وأخبروه أن الفاتح الجوﻻني يود لقاءه فما كان من الرجل إﻻ أن توجه إلى المكان الذي حُدد له للقاء أميره وحين وصل وعلى غير العادة أخبروه أن ينزع حزامه الناسف ويسلم سلاحه بناء على إجراءات أمنية جديدة لضمان سلامة قيادة النصرة واستجاب الرجل دون تردد فالرجل يثق بأميره فقد كان أبو حسين رحال يزور أمير النصرة في بيته لقوة ومتانة العلاقة بين الرجلين، وبالفعل نزع حزامه وسلم سلاحه ودخل الحجرة التي كان من المفترض أن يقابل فيها أميره ولكنه وجد اﻷمنيين في انتظاره فوضعوا (الكلبشات) في يديه وأودعوه غياهب السجون.
 وكانت هذه بداية مأساة الرجل التي ستظل وصمة تلاحق أمراء النصرة وعلى رأسهم أبو هاجر الحمصي، فقد بحثوا عن أشد الناس عداوة ﻷبي حسين رحال فوجدوا حسين عبدالرزاق وهو من آل العمر من (معر دبسة) وهي بلدة أبي حسين رحال وبين آل رحال وآل العمر عداء تاريخي يتجاوز عمره الثلاثين عاما وحين وقع الخلاف بين النصرة والدولة بايع آل العمر الدولة ومنهم حسين عبدالرزاق ولكنه رجع بعد خطاب الدكتور الظواهري وانضم لجبهة النصرة وعين أمنيا لقاطع سراقب الممتد من  (سراقب إلى معرة النعمان) ثم رقّاه أبو هاجر الحمصي إلى أمني عام إدلب وﻷن أبا هاجر كان يريد أن ينتقم من أبي حسين رحال ويلقنه درسا قاسيا ويُنزل به أشد العقوبة - انتقاما لما كان من أبي حسين رحال تجاه أبي هاجر وتهديده له بتشويله - فقد أوكل مهام التحقيق معه لحسين عبدالرزاق لما بينهما من ثأر تاريخي وﻷن أبا هاجر له يد على حسين عبدالرزاق حيث رقّاه إلى أمني عام إدلب وبالفعل باشر مهمة التحقيق مع الرجل - ملثما ﻷن أبا حسين رحال يعرفه وقد عرفه من صوته - ولم يوفر حسين عبدالرزاق وسيلة تعذيب وﻻ طريقة تنكيل إﻻ واتبعها.

ولتدركوا الوحشية التي مورست على الرجل سأكتفي بذكر وسيلة تعذيب عذب بها الرجل وهي الكهرباء التي كانوا يضعونها في اﻷماكن الحساسة للرجل، نعم بلغ اﻷمر بحسين عبد الرزاق أن يعلق الكهرباء في (العضو الذكري) للرجل - عافاني الله وإياكم - كل هذا كان يحدث في (مسالخ حارم) التي تسمى زورا سجونا وهي مسالخ يمارس فيها ما يمارس في معتقلات المخابرات الجوية وأكثر، وكم دخل هذه المسالخ رجاﻻً يمشون على أقدامهم وخرجوا جثثا هامدة.

وأثناء هذه الممارسات الوحشية على الرجل كان أبو هاجر وعصبته ينسجون بقية الحكاية ويحيكون نهاية مؤلمة للرجل فقد أعدوا له ملفا يضمن لف حبل المشنقة على عنقه بعد أن جعلوه يطلب الموت مئة مرة في اليوم فلا يجده!

وبالفعل صدر الحكم بإعدام الرجل ونُقل الرجل من سجون حارم إلى سجن (أريحا) في انتظار تنفيذ حكم الإعدام الذي صدر بحقه ورُفع الحكم إلى مفتي (الجيا) الشيخ أبي قتادة الفلسطيني ﻹبداء رأيه فيه فلم يكتف بالمصادقة على حكم اﻹعدام بل أضاف إلى الحكم كلمة وهي أن الرجل يُقتل (استفاضة) أي لكثرة جرائمه ومظالمه وأقر مفتي الجيا الحكم بإعدام الرجل ولكن الفاتح الجوﻻني أوقف تنفيذ الحكم.

ويذكرني تدخل الفاتح الجوﻻني في شؤون القضاء هنا بحكايتين كنت شاهدا عليهما وهما أنني حين طلبت من الدكتور المحيسني أن يتوسط في فك أسر الخولي ذهب مشكوراً إلى الفاتح الجوﻻني وبقي عنده بضع عشرة ساعة، واعتذر له الشيخ الجوﻻني بأن أمر الرجل بيد القضاء وأنه ﻻ يتدخل في شؤون القضاء!!!
 والثانية أنني حين بدأت بتوجيه رسائل يومية إلى أمير جبهة النصرة بفك الخولي بدأ أعيان النصرة يتصدون لي ويقولون إن الشيخ الجوﻻني ﻻ يتدخل في شؤون القضاء وﻻ يشفع ﻷحد!!!!

أخيراً وبينما أبو حسين رحال في سجن أريحا ﻻ يدري ما يُفعل به أعانه قوم على الهرب وساعدوه وأدخلوه إلى تركيا في حالة صحية يرثى لها وكما أسلفت فإن الرجل عزيز في قومه لم يستطع احتمال ما فعله به القوم وأصيب بقهر الرجال من شدة التفكر فيما كيد له وما أصابه ولم يستطع احتمال ما فعله به إخوة المنهج فأصيب بسرطان في القولون وهو حتى تاريخ كتابة هذه السطور يعالج وقد أجريت له جراحة استأصلوا له فيها جزءاً من القولون، ومما أصيب به من شدة التعذيب أنه حتى اللحظة ﻻ يستطيع اﻹخراج بشكل طبيعي.
 وﻻ حول وﻻ قوة إﻻ بالله العلي العظيم أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيه ويعافيه هذا جانب من ممارسة اﻷمنيين في حق رجل منهم فكيف بمن ليس من النصرة وﻻ ينتسب إليها؟!

هذه الحكاية أردت لها أن تكون قفلة وفاتحة في آن معاً عسى الله أن يصلح أحوال القوم فيتداركوا السفينة قبل أن تغرق بنا جميعا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحداث حماة عام 1964

صرفت الى رب الانام مطالبي ...

أنا من أريحا عروس الشمال