وأخيراظهر الرق الجديد

لم يَخطر في بالنا مُطلقًا كعَرب، أن نَعيش يومًا، وفي القَرن الواحد والعشرين، نَرى فيه تجسيدًا حيًّا لتجارةِ الرّقيق في بُلداننا، وعلى أراضينا، ومن قِبَل الذين يَدّعون أنّهم يَنتمون إلى هذهِ الأمّة العَريقة، والعقيدة الإسلاميّة السّمحاء، التي كانت أوّل من حاربَ هذهِ الظّاهرة المُخجلة.

طاردتنا تُهمة العبوديّة، وأعمال السمسرة بالبَشر، قرونًا عِدّة، وكُنّا نُحاول إنكار هذهِ التّهمة، ونَتحدّث عن مُؤامرةٍ استعماريّةٍ تُريد إلصاقها بِنا، وتَكريسها من خِلال أفلامٍ دراميّةٍ، أنفقت هوليود عاصمة السينما المَلايين لإنتاجها وتَوزيعها.

اليوم تأتينا الصّفعة من ليبيا التي شَهِدت ثورةً من المُفترض أن تكون قد حرّرتها، وأسّست نِظامًا دِيمقراطيًّا عادلاً يتساوى فيه المُواطنون ويَعم الرّخاء، وتَسود العَدالة الاجتماعيّة، بعد الإطاحة بنظامٍ ديكتاتوريٍّ مُتسلّط، ولكن بعد سَبع سنوات من الثّورة ها هي ليبيا الجديدة تُفاجئنا، ليس بالفَوضى الدمويّة، وسَطوة الميليشيات، وهُروب نِصف سُكّانها بَحثًا عن الأمان في دُول الجِوار، والمَنافي، وإنّما بتِحوّل العاصمة طرابلس، أو أحد مَزارِعها، إلى سوقٍ للنّخاسة يُباع فيه، وفي المَزاد العَلني، العبيد الأفارقة، وبأسعارٍ مُتدنّيةٍ لا تَزيد عن 400 دولار للرأس.

التقرير المُصوّر الذي بثّته قناة سي إن إن الأمريكيّة، وأظهرت فيه جانبًا من سوق للرّقيق في إحدى مزارع طرابلس العاصمة لا يَكذب، وأيَّ مُحاولةٍ للدّفاع عنه تُدين أصحابها أكثر ممّا تُدين السماسرة والبائعين والشّارين أيضًا.

اللّوم لا يَقع على هؤلاء السماسرة والتجار فقط، وإنّما على الذين أوصلوا ليبيا إلى هذا الوَضع اللإنساني المُؤسف، وعلى رأسهم جامعة الدول العربيّة التي وَفّرت الغِطاء الشّرعي لغَزو حلف الناتو، وإعطائه الضّوء الأخضر لتدمير البِلاد، وقتل ثلاثين ألفًا من أبنائها، دون أيِّ ذَنبٍ ارتكبوه.

لا يُمكن أن ننسى ما حيينا الدّور الذي لَعِبته الدّول الغربيّة الحضاريّة، وفرنسا وبريطانيا إلى جانب أمريكا، زعيمة العالم الحُر، في هذهِ المأساة الليبيّة التي فَبركت الثّورة، مِثلما أثبتت الوثائق لاحقًا، من أجل الإطاحة بالزّعيم الليبي الراحل، ليس لأنّه ديكتاتوريًّا مُتسلّطًا، وإنّما لأنّه كان يَعمل لإطلاق الدينار الأفريقي، ليكون عُملة تعامل لكل القارّة الأفريقيّة، وبَديلاً عن الدولار واليورو، وهي الحقيقة التي اعترف بها الرئيس الأمريكي السّابق باراك أوباما، وعَبّر عن نَدَمِه الشّديد لتأييد المُؤامرة الفرنسيّة البريطانيّة في التدخّل العَسكري في ليبيا.

ثم نقول هل نحن اليوم عرب؟ أم نحن طفرة العرب، لا أعلم ماذا اقول، أو كيف أصف هدم أربعة عشرة قرناً للاسلام، الذي وضع اسس القضاء على العبودية ليعود ابناء هذا الدين لتجديد هذه الوصمة التاريخية، مرة ثانية.
بكل الاحوال كان الله في عون هؤلاء وعون الاسلام والمسلمين، مما سيظهر في قابل الايام. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحداث حماة عام 1964

صرفت الى رب الانام مطالبي ...

أنا من أريحا عروس الشمال