من للعرب بعد العرب


العرب على باب الخروج من التاريخ: لقد أطالوا المكوث فيه، بعدما دخلوه بالإسلام وفتوحاته التي أوصلتهم إلى أقاصي الأرض.. وهم يتراجعون الآن ويتكأكاون على امجاد الماضي ويبيعون غدهم بيومهم فإذا هم بلا مستقبل!
ها هم مهددون بخسارة هويتهم ومجد انتسابهم إلى أمة واحدة ومستقبلهم إضافة إلى حاضرهم عبر خسارة فلسطين، بل بيعها بالمناقصة العلنية: في يوم الجمعة الماضي، الواقع فيه الثلاثون من آذار (مارس) 2018، وهو يوم الارض الذي يؤكد فيه الفلسطينيون حقهم في ارضهم، التي كانت على مر التاريخ ارضهم، أسقط رصاص القتل الاسرائيلي أكثر من 15 شهيداً وحوالي خمسمائة جريح، اكثريتهم من الشبان والفتية الذين خرجوا في تظاهرات سلمية لا سلاح فيها إلا علمهم الوطني.
لم يحتل خبر المجزرة الإسرائيلية الجديدة أكثر من دقيقة او دقيقتين في نشرات الأخبار في الإذاعات العربية المسموعة والمصورة، التي كانت مشغولة بنقل أحداث جليلة في مختلف العواصم العربية واشنطن ولندن وموسكو وباريس، فضلاً عن الحرب على اليمن والحرب في سوريا وعليها وحرب ابادة ليبيا وشعبها.
لم يخرج أي من الملوك والرؤساء، او حتى الوزراء العرب، بتصريح، او ـ لا سمح الله ـ بتهديد موجه للعدو الاسرائيلي ـ يتهم فيه هذه الدولة المزروعة بالعدوان في قلب الامة العربية بشن حرب إبادة على الشعب الفلسطيني بتهمة الخروج في تظاهرة سلمية تأكيداً لحقه في ارضه المحتلة..
أما مجلس الامن الدولي فقد استفاق من غفلته، بناء لفظاعة المجزرة، ولكنه عجز عن اتخاذ قرار، مجرد قرار، بإدانة هذه الجريمة الإسرائيلية المسجلة بالصوت والصورة ضد متظاهرين سلميين لم يستطيعوا الوصول إلى أي موقع عسكري اسرائيلي ظل بعيداً عنهم مدى رصاص المستوطنين..
أعذار النظام العربي جاهزة: فجامعة الدول العربية مشغولة في الإعداد للقمة العربية (الجديدة جداً) في السعودية، بعد أيام، والتي ستشكل نقلة نوعية في العمل الرسمي العربي.
أما مصر فكانت مشغولة بانتخاباتها الرئاسية.
وأما سوريا فمشغولة بالحرب فيها وعليها.
وأما العراق فمعطل القرار في انتظار الانتخابات النيابية فيه.
وأما ليبيا فلم تعد موجودة على الخريطة السياسية.
وأما لبنان فمشغول شعبه بصفقات الانتخابات النيابية التي يفترض أن تدر ذهباً.
وأما الجزائر فتنتظر أن يمن الله على رئيسها المشلول بالصحة لاستعادة القدرة على القرار،
وأما المغرب فقد عاد إلى موقعه الاقصى وأخرج نفسه من حومة الصراع، بل أن بعض وزراء الملك كانوا، قبل يومين من المجزرة، في زيارة رسمية للقدس الشريف للاطمئنان إلى سلامة الأماكن المقدسة فيها.
وأما السلطة الفلسطينية فكانت مغضبة، بعد حادث غزة، التي حاول بعض المتطرفين فيها اغتيال رئيس الحكومة ولكن العناية الالهية تدخلت فأنقذته والحمدلله..
أين العرب من فلسطين؟!
أين العرب من يومهم وغدهم الذي يقرر في غيابهم ومن دون رأيهم؟
هل سقط حاجز العداء القومي والانساني عن “اسرائيل” ولماذا؟
أن خطوط الطيران من وإلى تل أبيب تخترق الآن الاجواء العربية من المحيط إلى الخليج، وآخرها خط دلهي ـ تل ابيب!
والشواطئ العربية تكاد تكون مفتوحة، بالحرب او بالصفقات السياسية، أمام الملاحة الاسرائيلية..
ولم تنتظر عواصم عربية عدة معاهدات الصلح مع “العدو القومي” فباشرت اتصالاتها ـ الرسمية ـ مع تل أبيب، ولو بقدر من الحياء..
…وها هو الرئيس الاميركي الماهر في المضاربة يقرر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال، ضارباً عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة، والجامعة العربية، بل والارادة العربية التي كانت ذات يوم جامعة فتفرقت، وكانت بالأمس فاعلة فأضحت اثراً بعد عين..
بل أن هذا الرئيس الذي استولى من الأموال العربية أكثر مما استولى عليها مجموع الرؤساء الاميركيين، ينوي زيارة كيان العدو الاسرائيلي لتهنئة نتنياهو بالعيد الستين لإقامة “الدولة” على ارض اهلها الاصليين: شعب فلسطين العربي، بمسلميه ومسيحيه واليهود من ابناء الارض المقدسة.
من لشعب فلسطين في محنته الفريدة في بابها، و المتمادية خطورة مع الزمن؟
لقد تخلى عنه اخوانه العرب عندما تخلوا عن هويتهم الجامعة: العروبة.. وتخلى عنه بالتالي من كانت تجمعهم رفقة النضال من دول تمثل شعوبها في العالم الثالث دول عدم الانحياز ـ الصين، الهند، دول اميركا اللاتينية، إضافة، بطبيعة الحال، إلى الدول التي كانت تخاف تهمة الخيانة او تخجل منها.
ثم أن العديد من الدول العربية قد صالح اسرائيل، مضطراً او بالرغبة، واعترف بكيانها القائم على حساب فلسطين وشعبها، مما فتح الباب أمام العديد من الدول الصديقة للاعتراف بكيان العدو الإسرائيلي، طالما لا اعتراض عربي ـ جدي عليه،
من لشعب فلسطين الا دمه؟
ليس بين الأنظمة العربية من يهتم لمصيره،
ليس بين هذه الأنظمة من يرغب بمجافاة الولايات المتحدة الاميركية او مخاصمتها… وها هم القادة العرب يتقاطرون على واشنطن، فرادى وجماعات، ويعقدون فيها اللقاءات الحميمة والصفقات الضخمة، ثمناً للسلاح واجهزة التقدم العلمي، وقيمتها مجتمعة تكاد تكفي لتحرير فلسطين..
ومن الملاحظة أن ما من مسؤول عربي، ملكا كان او رئيسا، ولي عهد، او امير مطلق الصلاحيات، لفظ كلمة “فلسطين”، خلال أي من زياراته العديدة للعاصمة الاميركية ولقاءاته الحميمة المزينة بالخرائط للعبقري دونالد ترامب.
فلسطين يتيمة، بل هي لطيم، بلا اب ولا ام،
الدول العربية مشغولة عنها، بل إنها بدأت تضيق ذرعاً بأثقالها وتعمل للتخلص منها بأي ثمن .. وأحيانا بلا ثمن.
ومن النادر، حاليا، أن يسمع المواطن العربي، في المشرق والمغرب، باسم فلسطين، وان هو قد ظل مجبراً على سماع اسم اسرائيل، ألف مرة في اليوم، حتى عندما يتصل الأمر بشؤونه الداخلية.
إن الدم الفلسطيني يغطي الخريطة العربية بالأحمر القاني.
إن الدم الفلسطيني يغطي على المستقبل العربي ويجعله مجهولاً.
إن فلسطين تضيع، غارقة في دمها، يوماً بعد يوم، بينما العرب يسلمون مقادير مستقبلهم لأعدائهم، مع ابتسامة ود وعرفان جميل.
إن فلسطين هي الحاضر العربي ببؤسه المريع والمستقبل العربي بتصوره المخيف.
أن الأمة مهددة في حاضرها ومستقبلها، ولا ينفع التمويه والتعامي عن رؤية هذا المستقبل الذي سيشطب العرب من التاريخ..
ولن تنفع القاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة في تعويض هذا المواطن العربي المنكورة عليه هويته، والذي يلغيه نظامه فلا يعترف له بحق الرأي، فكيف بأن يكون شريكاً في القرار، فضلاً عن أن يكون صاحبه؟
ودمتم ايها العرب...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحداث حماة عام 1964

صرفت الى رب الانام مطالبي ...

أنا من أريحا عروس الشمال