هل الرسم يعرفنا بالله؟


إذا ما نظرت إلى أماكن العبادة المختلفة في جميع أنحاء العالم، ستجد أنه دوما ما يكون التقرب من الإله، سواء الله كما هو معروف بالمسيحية أو اليهودية أو الإسلام، أو أي صورة أخرى للإله بمختلف الديانات حول العالم، يكون برسم الصور أو المنحوتات لتلك الشخصيات التي تقرب الإنسان من إلهه.
لكنك ستجد في الإسلام نموذجا مختلفا كليا في هذا الأمر، حيث أنك لن تجد في أماكن العبادة أي مظاهر تصوير، سوى مرسومات بالخط العربي لآيات من القرآن أو أحاديث شريفة أو حتى أقوال مأثورة.
ويمكن أن تجد ذلك التناقض متجسدا بصورة جلية في متحف آيا صوفيا بمدينة اسطنبول التركية، والذي ستجد فيه طريقتين مختلفتين تماما للتقرب من الله.
ففي جانب ستجد مرسومات مسيحية بالفسيفساء، تجسد يسوع المسيح ووالدته، وعددا من الشخصيات المقدسة الأخرى، وفي الجهة الأخرى خطًا إسلاميا منمقا يتحدث عن فضيلة التقرب من الله.
وعلقت مجلة إيكونوميست البريطانية على ذلك الأمر، قائلة إن الإسلام يقدم فكرة رئيسية في فنه تؤكد على أن الله يتجسد للإنسان عن طريق اللغة، سواء مكتوبة أو مسموعة، لكن ليس من خلال الصور والتجسيد.
وبحسب تقرير آخر لمجلة نيويوركر الأمريكية تشير إلى أن التاريخ الإسلامي يشهد نفورا عميقا من فكرة التصوير الحيوي للكائنات وخاصة البشر.
وتابعت، قائلا في الواقع إن التاريخ الإسلامي لديه مشكلة عميقة في تصوير الأنبياء السابقين مثل نوح وعيسى، وبالتأكيد على رأسهم الرسول محمد، ويمكن أن تتخيل أن محاولت تصوير الإله قد يكون أمر أقل ضراوة من محاولة رسم محمد فقط.
وتشير الإيكونوميست إلى أن السر وراء ذلك الرفض القاطع للتصوير والتجسيد للرسول وباقي الأنبياء، يرجع إلى رعب متأصل في الإسلام من الوثنية.
وأضافت، قائلة هناك رعب متأصل في الإسلام أن يكون هناك شيئا بين الإنسان وربه، أو التنازل عن فكرة تفرد وعدم قابلية الله للتجزئة.
وتظهر كافة كتب التاريخ والشريعة الإسلامية أنه لا يوجد في القرآن ما يدين بشكل واضح الفن التمثيلي.
ورغم أن الإسلام يحذر بشكل واضح من الوثنية أو الانتقاص من عباد الله وحده.
كما يستند معظم فقهاء الإسلام إلى حظر رسم صور الرسول، أو حظر الرسم بشكل عام بكافة أشكاله، إلى أحاديث نبوية تحرم تصوير والتجسيد، ويتم وصفها على أنها محاولة لاغتصاب دور الله في محاولة صناعة كائن جديد أو تجسيد كائن موجود فعليا.
ولكن تقول باحثة الفنون الإسلامية كريستيان غروبر في تقرير سابق نشرته صحيفة نيوزويك الأمريكية، إن كافة الأحاديث النبوية لا تقدم إلا صورة مبهمة حول تحريم رسم الصور، كما أنه لا يمكن إيجاد حكم شرعي واحد أو فتوى واحدة تحرم التصوير تلميحا أو تصريحا.
كما قال الكاتب الصحفي، لويس إمبرت، في مقال سابق نشره في صحيفة لوموند الفرنسية إن قصور الخلفاء الأمويين مثلا في دمشق، كان مزينة بكثير من الرسومات والزخارف واللوحات الأرستقراطية، التي تجسد مشاهد ورحلات الصيد وتصور البشر والحيوانات، حتى إنه توجد صورا للرسول في الهند في الفترة المغولية وفي فترة الإمبراطورية العثمانية وبلاد فارس.
وشكلت فكرة تجسيد الأنبياء وعلى الأخص الرسول محمد، صراعا عميقا ليس بين المسلمين وباقي الديانات الأخرى، ولكن أيضا بين المسلمين أنفسهم سنة وشيعة.
كما أنه سادت حالة من الغضب العارم عدد من الدول الإسلامية، لكافة المحاولات التي يجريها رسامون أوروبيون لرسم صور للرسول.
ولعل الهجوم الذي وقع على مقر صحيفة شارلي إبدو الفرنسية في باريس أبرز دليل، بعدما نشرت المجلة رسوما كاريكاتورية ساخرة تجسد فيها النبي محمد بصورة غير لائقة.
كما أن الجماعات المتطرفة مثل حركة طالبان التي دمرت تماثيل بوذا في أفغانستان، أو تنظيم داعش الإرهابي، الذي دمر الكثير من آثار سوريا والعراق، بحجة أنها تعود لعصور الوثنية.
ويعد الصراع حول تصوير وتجسيد محمد والأنبياء له جذور تاريخية عميقة، حيث عثر كثير من المؤرخين على رسومات ومخطوطات عديدة، بعضها تركي (سني) والآخر فارسي (شيعي) تم فيهما تصوير وتجسيد الرسول.
ولكن بدءا من عام 1500 تقريبا، بدأ التحول في التوقف عن تصوير وتجسيد الرسول، حيث بدأت المخطوطات الفارسية والعثمانية التركية تصور النبي محمد وهو مغطى بهالة بيضاء، وأخرى على شكل شعلة ذهبية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحداث حماة عام 1964

صرفت الى رب الانام مطالبي ...

أنا من أريحا عروس الشمال