حكم تكفير المسلم

حكم تكفير المسلم يمضي شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " فتاواه " في بيان منهج أهل السنة ويتعرض لمسألة خطيرة طالما زلت فيها أقدام وضلت فيها أفهام، وصدرت فيها أوهام، ألا وهي مسألة تكفير المسلم وبيان موقف أهل السنة والجماعة من هذه المسألة، فيقول - رحمه الله - : ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة؛ فإن الله تعالى قال :آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم . والخوارج المارقون الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين من بعدهم ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم . ولم يقاتلهم الإمام علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار، ولهذا لم يَسْبِ حريمهم ولم يغنم أموالهم . 
وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم ؟ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفّرة لها مبتدعة أيضا ؟ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعا جهال بحقائق ما يختلفون فيه . 
والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، لا تحل إلا بإذن الله ورسوله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خطبهم في حجة الوداع :إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا وقال - صلى الله عليه وسلم - :كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه 


وقال - صلى الله عليه وسلم - :من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله وقال :إذا التقا المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ) ، قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل، فما بال المقتول ؟ قال : ( إنه أراد قتل صاحبه وقال :لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وقال :إذا قال المسلم لأخيه : يا كافر، فقد باء بها أحدهما وهذه الأحاديث كلها في الصحاح . 
وإذا كان المسلم متأولا في القتال أو التكفير لم يكفَّر بذلك، كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ! فقال - صلى الله عليه وسلم - : إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ؟ ! وهذا في " الصحيحين " 
وفيهما أيضا من حديث الإفك :أن أُسيْد بن الحضير قال لسعد بن عبادة :إنك منافق تجادل عن المنافقين ! واختصم الفريقان فأصلح النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم . 
فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم :إنك منافق، ولم يكفر النبي - صلى الله عليه وسلم - لا هذا ولا هذا بل شهد للجميع بالجنة، وكذلك ثبت في " الصحيحين " عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلا بعد ما قال : لا إله إلا الله : وعظم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لما أخبره، وقال : يا أسامة ! أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ ؛ وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة : تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ومع هذا لم يوجب عليه قودا ولا دية ولا كفارة؛ لأنه كان متأولا ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذا . 
فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوه، وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى :وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 
فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون، وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل، ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين، ولا يعادون كمعاداة الكفار . فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض مع ما كان بينهم من القتال . وقد ثبت في الصحيح : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن لا يُهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك، وسأله لا يجعل بأسهم بينهم فلم يُعطَ ذلك وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا . وثبت في " الصحيحين " لما نزل قوله تعالىقُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قال : ( أعوذ بوجهك ) ، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال : ( أعوذ بوجهك ) ،أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال : ( هاتان أهون 
هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف ونهى عن البدعة والاختلاف، وقال : إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ وقال - صلى الله عليه وسلم - : عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة وقال : الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد وقال : الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، والذئب إنما يأخذ القاصية والنائية من الغنم 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحداث حماة عام 1964

صرفت الى رب الانام مطالبي ...

أنا من أريحا عروس الشمال